اعلان بالهيدر

بالمستندات.. المخابرات الأمريكية في دار الوثائق المصرية




د.صابر عرب وزير الثقافة الحالي هو المسئول الآن عن ملف الثقافة في مصر، ومن قبل كان مسئولاً عن وثائق مصر وتاريخها، حين قضى سنوات طويلة رئيساً لمجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، وخلال تلك السنوات حدث كثير من وقائع السرقة والإهمال في الدار، وتسربت وثائق مهمة ومخطوطات نادرة خارج الدار، لكن "الكارثة" الأكبر كانت تعاون الدار التي تحفظ أسرار مصر وتاريخها مع واحدة من أخطر المؤسسات الأمريكية.. وهي مؤسسة فورد.. وأن تعقد تلك المؤسسة وتمول 7 دورات تدريبية داخل دار الوثائق، تحت عناوين مثل "زيادة الوعي الوثائقي للطلاب المصريين".. وهو ما يجعل السؤال بديهياً: ماذا تريد مؤسسة فورد الأمريكية من دار الوثائق المصرية ؟.. وقبل أن نجيب على السؤال لابد من إجابة السؤال الأكبر والأشمل : ماذا تفعل مؤسسة فورد في مصر ؟ وما هي الحكاية بالضبط ؟..
 

النشأة والأهداف

 تُنسب تلك المؤسسة لرجل الأعمال الأمريكي الشهير (هنري فورد)، منشيء شركة فورد للسيارات، فقد قرر الرجل في سنة 1936م إنشاء مؤسسة ثقافية خيرية، أهدافها المعلنة نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والثقافة، وحل مشكلات التنمية في البلدان الفقيرة، ورغم هذه الأهداف التي تبدو في ظاهرها شديدة النبل والإنسانية، فسرعان ما وقعت المنظمة ـ التي بلغ رأسمالها في الخمسينيات أكثر من ثلاثة مليارات دولار ـ في حبال المخابرات الأمريكية، لتصبح واحدة من أذرعتها الثقافية التي استخدمتها خلال الحرب الباردة، في محاربة الشيوعية داخل البلدان النامية، بالمشروعات التي كانت تقوم بتمويلها، ففي 1954 تولي مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق (جون ماكلوي) إدارة المؤسسة، وقد أنشأ في المؤسسة مكتبا خاصا للتنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية في حربها الباردة مع السوفييت، وكان المدير السابق لماكلوي، هو ريتشارد بيزل، الصديق المقرب من آلان دالاس رئيس المخابرات المركزية، والذي أصبح مستشارا لدالاس في يناير 1954!!
وفي نهاية الستينيات، وبعد أن وصلت للصحافة الأمريكية تفاصيل العلاقة بين المؤسسة ووكالة الاستخبارات المركزية، ونُشرت الفضائح المتعلقة بذلك، اضطرت المؤسسة إلى التعديل في أسلوب عملها، مع الاحتفاظ بالمهام التي تقوم بها في خدمة الاستخبارات الأمريكية.

ومع انتهاء الحرب الباردة، وانقضاء الخطر الشيوعي، تحولت المؤسسة تبعا لبوصلة المخابرات الأمريكية، إلى العدو الجديد، فوضعت على رأس أولوياتها ونشاطاتها، تمويل المنظمات والنشاطات التي تساعد في الحد من"الإرهاب" الإسلامي، ومن نشاطات الحركات الإسلامية، مع مطاردة حركات اليسار وفلول الشيوعيين في العالم.

فورد تخترق مصر

في نهاية السبعينيات، ومع توجه الرئيس السادات شطر الولايات المتحدة، بدأت فورد تسللها لمصر، واختراق الأمن القومي، لتصبح بعد فترة وجيزة أخطر مؤسسات التجسس العلمي الأمريكي في مصر، بالأبحاث والدراسات التي تقوم بتمويلها، في مجالات ثقافية واجتماعية متعددة، بهدف تقديم صورة دقيقة للمجتمع المصري، ودراسة التغيرات الاجتماعية والدينية والثقافية في مصر، لمساعدة السياسة الأمريكية في التحكم في مسار التغيير داخل المجتمع المصري، بما يخدم مصالح الولايات المتحدة، ويساعد في القضاء على العناصر التي تهدد السيطرة الأمريكية في مصر، والمنطقة عموما.
ولكي تتم هذه المهمة الاستخباراتية بنجاح، فقد خصصت "وكالة التنمية الأمريكية AID" حوالي مائة مليون دولار سنويا لمراكز البحث العلمي والجامعات المصرية، تأتي عبر فورد، ومنح فورد، والدورات التدريبية التي تعقدها فورد!
وقد سبق للأستاذ محمد حسنين هيكل أن قدم نموذجا للدراسات التي تقوم فورد بتمويلها، فقال إن من دراساتها التي اطلع عليها، دراسة من 260 صفحة تتناول حزام الفقر المحيط بالقاهرة، وتركز على معسكرات الأمن المركزي والقوات المسلحة الموجودة في هذا النطاق، ثم تتحدث عن التفاعل بين الناس وهذه القوات في إطار هذا الحزام من الفقر! .. موضوع حساس كهذا يدخل يقينا في نطاق الأمن القومي، ولو قامت به مؤسسة بحثية وطنية لاتهمناها، فما بالنا إن كانت مؤسسة أمريكية وذات صلة وثيقة بالمخابرات الأمريكية كـ"فورد"؟!

ولتغطية نشاطها، وللتوغل أكثر داخل الحياة الثقافية المصرية، قامت فورد بتقديم التمويل الضخم لبعض الفرق المسرحية والفلكلورية، مثل فرقة "الورشة" المسرحية، وفرقة "الطنبورة" للسمسمية، كما قامت بتمويل مركز "تاون هاوس" للفنون التشكيلية، بوسط القاهرة، ولم يكن التمويل لوجه الله، طبعاً، أو لوجه الثقافة والفنون، فقد كان الهدف هو التأثير في توجهات تلك الفرق والمراكز، ودفعها لتبني فكرة "الفن من أجل الفن"، تلك الفكرة التي تسعى لفصل الفن عن الواقع، وتجريده من دوره الاجتماعي في الإصلاح والتغيير، كيلا يصبح الفن سلاحا يهدد المصالح الأمريكية في مصر وحولها !
وهي بذلك ـ أي فورد ـ تعيد ما كانت تفعله في فترة الحرب الباردة، حين كانت تنفق الملايين لدعم المدرسة التعبيرية التجريدية، منبتة الصلة بالواقع، في مواجهة المدارس الفنية الأوربية المتأثرة بالفكر اليساري المهدد للمصالح الأمريكية والرأسمالية الغربية، عموما !

فورد في دار الوثائق القومية

هذه هي فورد، وهذا هو نشاطها في مصر، بإيجاز، والتفاصيل كثيرة ومتشعبة، ولكن ما يهمنا هنا هو التنبيه على خطورة تسللها لدار الوثائق القومية، وعقدها دورات تدريبية بها، فالدار تحوي أخطر أسرار مصر، وتاريخها السياسي والاجتماعي الرسمي الموثق، ومن الغريب أن تتعاون مع مؤسسات مشبوهة كـ"فورد "، لها علاقات متينة مع إسرائيل وجهاز مخابراتها (الموساد)، خاصة مع وجود وثائق شديدة الحساسية والخطورة بالدار، تتعلق بالأمن القومي المصري، والعلاقات العربية ـ العربية، والعلاقات العربية بدول العالم، بالإضافة لوجود وثائق خاصة باليهود وممتلكاتهم في مصر قبل هجرتهم في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وهي الوثائق التي يلهث خلفها كثير من يهود إسرائيل، لإثبات وجود ممتلكات لأقاربهم في مصر، ورفع الدعاوى القضائية لاسترداد تلك الممتلكات أو التعويض عنها أمام المحاكم الدولية وهيئات الأمم المتحدة !
والمستندات التي بين أيدينا توضح أن المؤسسة عقدت حتى فبراير 2010م 7 دورات تدريبية داخل دار الكتب والوثائق القومية، وأن وزير الثقافة الحالي كان على رأس المحاضرين في تلك المحاضرات، ومعه مجموعة من الأسماء الشهيرة، مثل وزير الثقافة السابق عماد أبو غازي، والأديب جمال الغيطاني، والباحث عمرو الشوبكي، وقد تلقى كل من المحاضرين الـ24 مبلغ 1000 جنيه نظير محاضرة مدتها ساعتان، بجانب 700 جنيه تلقاها كل من قدم بحثاً مطبوعاً!! أي أن فورد في عهد صابر قضت فترة لا بأس بها في دار الوثائق في عهد صابر عرب والسؤال المشروع هنا: ماذا فعلت فورد في تلك الفترة؟!! وما الفائدة التي عادت إليها من المنح السخية التي قدمتها للدار؟!..

منقول من موقع محيط - محمود عبده

هناك تعليق واحد

غير معرف يقول...

اكرمك الله واعزك اخي الحبيب Räumung Wien