سر الغرفة 13

هذا ليس عنوان قصة بوليسية أو قصة رعب بل قصة حقيقية عشتها .
بين أروقة إحدى المصالح الحكومية الكويتية تقبع هناك في الطابق الثاني الغرفة 13 الكل يسأل عن تلك الغرفة.. كل المراجعين لابد أن يمروا على تلك الوجوه .. وعلى الجميع أيضا الانتظار لأن المتواجدين بها من عينة مَّر علينا غدا يا سيد.
أجمل شئ أن أمور ومصالح الناس لا تساوي شئ عند أهل الغرفة 13 فهم نسوا أن القدر وضعهم في ذلك المكان لقضاء حوائج الناس وليس لغلق الغرفة على أنفسهم لكي يلقوا بالنكات أو لكي يحكوا ويتكلموا عن حياتهم الخاصة. والناس في انتظارهم بالخارج على أحر من الجمر.
هل يجرؤ أحد من المنتظرين أن يقول كلمة أو حتى يتعرض بلطف على ما يحدث...ساعتها ستلقي اوراقه في وجهه وستقف مصالحه.
نسوا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ".
ذهبت ثلاث مرات لتلك الغرفة وكان من الطبيعي أن أظل واقفا أمام بابها بالساعات لكي استلم ورقة أو توقيع أو لأحصل على معلومة وكل هذا لن يكلف من الوقت إلا ثلاثين ثانية.
إن قضاء الحوائج واصطناع المعروف باب واسع يشمل الكثير من الأمور المعنوية والحسية التي حثنا الإسلام عليها، فقد قال العلامة السعدي - رحمه الله -: "أي ليعن بعضكم بعضاً على البر وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق الآدميين".
الجميل في الأمر أن وقت أصحاب الغرفة مقسم بطريقة مثيرة للعجب ما بين جزء لشرب الشاي والاصطباحه وجزء أخر لمعرفة عناوين أخبار بعضهم ثم الإفطار والشاي والرجوع لمناقشة تفاصيل الأخبار ثم بعض العمل ثم إلقاء بعض النكات لترطيب جو العمل القاتل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثاً وسبعين حسنة: واحدة منها يصلح بها آخرته ودنياه والباقي في الدرجات".
قال أبو العتاهية:
اقض الحوائج ما استطعـت*** وكن لهمِ أخيك فارج
فلخـير أيام الفـــــتى *** يوم قضى فيه الحوائج
الابتسامة التي هي صدقة لا تجدها في تلك الغرفة .. لا تجد في ذلك المكان سوى الصوت العالي والتذمر وغيره من موظفيها .. والأروع انك يجب أن تظهر مدى سعادتك وأنت تتلقى التكشيرة وعبوس الوجه والتذمر والصوت العالي.. يجب أن تكون في منتهى السعادة والرضا وإلا الويل كل الويل .
هؤلاء الأشخاص يضربون عرض الحائط بكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - : "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".(رواه مسلم ).
أنا لا اكتب هذا الكلام تشهيرا بحق احد لأن هذا ليس طبعي وإنما كتبته لأني أتحسر على ما وصل إليه حالنا من التفريط في ديننا وسنة نبينا الذين يحثوننا على قضاء حوائج الناس بلا مقابل فما بالك بمن يكلف بقضاء حوائج الناس بمقابل مادي.
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
لن أقارن بيننا وبين أوروبا لأن الفرق شاسع مع أنهم ليسوا مسلمين لكن كما قال العلماء أخلاقهم من ديننا....وشكرا أهل الغرفة 13
وقفة:
قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ
من كان للخير منّاعًا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ
وقال وهب بن منبه: "إن أحسن الناس عيشاً من حسَّن عيش الناس في عيشه وإن من ألذ اللذة الإفضال على الإخوان".
وأختم بكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد أنعم الله عليه نعمة، فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال " .
هل لديكم قرائي الأعزاء أي تعليق على كلامي ..أتمنى أن اعرفه.
ياسر أبو الريش(أبو عمار)
مقالات مشابهة إقرأ هنا

http://ypress.blogspot.com/2010/05/blog-post_17.html