اعلان بالهيدر

لحظة تأمل


الحرية كلمة كنا نتشوق لسماعها في مصر.. حتى أنني كنت في كثير من الأحيان اتساءل عن معناها الحقيقي..هل معناها هو ما تعلمناه ونحن صغارا أم ما نعيشه.
فلقد تعلمنا في الصغر أن الحرية شئ يولد مع الإنسان يوم مولده وبعد أن كبرنا أيقنا ان تلك الحرية تم وأدها في أحد المناطق الصحراوية غير معلومة الهوية لكي لا يحج الى قبرها اي مخلوق.
تلك الحرية التي تم تشييعها إلى مثواها الأخير من قبل بعض الأنظمة اصبحت الشغل الشاغل لمعظم شعوب الأرض قاطبة بمختلف اجناسهم ودياناتهم، لكن الحكومات التي كانت تخشى على زوال حكمها كانت تنزع تلك الهبة الإليهة من شعوبها لكي يعيش كما تريد هي لا كما يريد هو، وعندما أراد البعض أن ينالو جزءا من حرياتهم قبعوا خلف القضبان فحينما كتبت طل الملوحي عما يجول في خاطرها عاقبها النظام السوري بأن انتزع منها ما تبقي من حريتها، وحينما أراد المدونين والكتاب المصرين أن يعيشا كبشر رفضت السلطات المصرية طلبهما وكممت أفواههما وأغلقت مدوناتهما، وغيرهم من المدونين والناشطين التونسيين والليبيين واليمنيين والسعوديين تم حجب أكسجين الحرية عنهم وأعطتهم الحكومات مخدر قوي جعلهم يترنحون ولكنهم حينما افاقوا لم تستطع تلك الحكومات أن توقف زلزال الحرية الذي حطم بعضهم والباقين يُنتظر سقوطهم.
منذ القدم والإنسان يحارب ويناضل ويدفع الغالي والنفيس في سبيل حريته .. وفي أحيان كثيرة يدفع حياته ثمنا لهذه الــحــريـــة، ولكن هنا يجب أن نتساءل عن ماهية تلك الحرية..فنجد صوتا قادما من بعيد ليقول لنا أن الحرية هي القدرة على الاختيار، والبحث في الحرية يقود إلى تقسيم الحرية إلى قسمين:
الحرية الداخلية: أو حرية الإرادة والاختيار الباطني عند الإنسان. والحرية الاجتماعية: هي الحرية التي يمنحها القانون والأخلاق والمجتمع للفرد، ويعطى حق ممارستها في المجتمع، ويجب أن تتعامل معه السلطة والمجتمع وفقها، ومثالها حرية الفكر والسياسة والتملك وغيرها.
والحرية هي طريق النهضة والتنمية والتقدم لدى الفرد والمجتمع، فالإنسان الذي لا يملك الحرية لا يستطيع أن يصنع الحياة، والانسان الذي يشعر بالاضطهاد وسحق إرادته وشخصيته، لا يتفاعل ولا يستجيب للسلطة، ولا لمشاريعها وسياستها، ولا يستطيع أن يوظف طاقاته، وبالتالي لا يستطيع النهوض أو التقدم.
وإن من أخطر أسباب تخلف عالمنا هو مصادرة إرادة الانسان، وكبت حريته المشروعة، ولكي تنهض الأمة، فهي بحاجة إلى الحرية، بحاجة إلى حرية الفكر خاصة أن الإنسان المكبوت الحرية هو إنسان مشلول القدرة والإرادة.
إلى ذلك تكمن محنة شعوب العالم العربي في مصادرة حرية الإنسان، وسحق إرادته، وتسليط الاستعباد والكبت الفكري والسياسي عليه، فأصحاب الفكر ودعاة الإصلاح يعانون من الإعدام السياسي والزج في السجون والتشريد والإقصاء، وأخطر ما واجهه الانسان اليوم هو الإرهاب السياسي فشعوب العالم العربي كانت لا تملك مصيرها السياسي، ولا تملك حق إبداء الرأي أو مناقشة السياسة القائمة، والمشاركة في التخطيط لشؤونها ومصالحها، مع أنه الاصل ان تختار الامة حكامها وولاة أمورها.
إن السبب الأساس في ركود الأمم وتخلفها، هو طبيعة الأنظمة والسلطات الحاكمة، فإن الاستبداد السياسي والأنظمة التي لا تحترم مصالح الأمة تسببت في عالمنا العربي بتضييع ثروات الأمة، وطاقاتها المبدعة، وجعلت منها أمة متخلفة تتلاعب قوى الاستعمار والصهيونية بمصيرها ومصالحها وإمكاناتها.
الحرية شمس يجب ان تشرق فى كل نفس فمن عاش محروماً منها عاش فى ظلمة حالكة، فهي منحة الهية للانسان الذي حباه الله تعالى بكل المقومات اللازمة له لاداء دوره الريادي على الارض في أحسن صورة.
فالانسان اذن خلق حراً مختاراً واعطي فكراً وارادة، فهو في أعماله ليس كالحجر تدحرجه فيتدحرج ويسقط متأثرا بجاذبية الارض دون أن تكون له أية ارادة، أو كالنبات ليس له إلاّ طريق واحد فمجرد توافر شروط معينة ينمو بالشكل المعتاد، كلاّ إن الإنسان يجد نفسه على مفترق طرق ليختار منها أيّها شاء بملء حريته، ووفق مشيئته، ونوعية تفكيره، وليس مجبراً على سلوك أحدهما لا غير.
الحرية هي ما فعله التونسيون في 14 يناير والمصريين في 25 يناير والليبيين في 17 فيراير وفي أنتظار ان تعلنها باقي الاقطار.
ياسرابو الريش

ليست هناك تعليقات