اعلان بالهيدر

الجامعة العربية وتحديات البقاء على قيد الحياة

في ظل ما يشهده الوطن العربي في تلك الأيام أين هو دور جامعة الدول العربية.
ففي الأونة الأخيرة بدأت بعض الاوساط  في الحديث عن اختفاء العرب وانصهارهم في شرق أوسطي إيراني تركي، وبدت العلاقات العربية ثقيلة على المواطن العربي، خصوصا بعدما وصلت الخلافات إلى مستويات قصوى، لتأتي على الرصيد الباقي من الموروث التاريخي بين الدول العربية. فتم تبادل الشتائم والتهكمات بين الشعوب العربية،وزاد الشقاق والخلاف بين انظمتها الحاكمة.

صرخة أخيرة
لم يكن أمام الجامعة -بعدما مزقتها الصراعات وهاجمها النسيان- سوى أن تعلن عن وجودها واستمرارها بأي ثمن، وفي القمم العربية في ليبيا سنة 2010، أعلنت الجامعة على لسان أمينها العام عمرو موسى عن مشروع "رابطة دول الجوار" التي تدعو إلى كيان إقليمي تدخل فيه تركيا وإيران. وعلى الرغم من أن فكرة إقامة هذا الكيان ليست فكرة سيئة، إلا أنها بمعيار فلسفة الجامعة وتاريخها مثلت أقصى تناقض ممكن مع الذات، وإلى حد كبير، لم تقم هذه الدعوات أو المقترحات على تصورات ممكنة وقابلة للتحقيق، وإنما كانت تتماشى مع واقع أصبح قائما ولم يكن للجامعة مفر أو بد من التعامل معه والإعلان عنه، وبدت تركيا وكأنها إحدى دول النظام العربي، ولكن هذه الدعوة هي الأخرى كانت صرخة أخيرة للجامعة تعلن بها عن نفسها وعن انتهاء دورها.
وفي ظل هذه الأجواء انتعشت موجة من ما يمكن تسميته بـ"خطاب النهايات". حيث تجمعت عام 2010 خيوط لقضايا عربية عديدة تركز على التأكيد على بلوغ القضايا المركزية في النظام العربي قمة نهاياتها. 

سقوط قواعد العمل
طرحت الثورات التي شهدتها المنطقة منذ 2011 ضغوطا شديدة على جامعة الدول العربية، فلم تؤد فقط إلى سقوط قواعد العمل التي اعتادت عليها الجامعة وحسب، ولكنها فرضت عليها أيضا الدوران 180 درجة حول مبادئها وقناعاتها المستقرة. وكان أكبر دليل على ذلك، أن الجامعة التي عقدت قممها الأخيرة قبل الثورات في ليبيا عام 2010 هي التي أقرت بعد أشهر معدودة من هذا التاريخ دعم العمل العسكري للإطاحة بالنظام الليبي.
النشاط الذي شهدته الجامعة لم يكن قرارا ذاتيا مستقل بالأساس، وإنما جاء بناءً على قرار مجموعة القلب الجديدة في النظام العربي (وهي دول مجلس التعاون الخليجي) التي قررت القيام بمهمة إدارة النظام من داخل جهازه الرئيسي، وليس من مجلس التعاون الخليجي.

مركز ثقل جديد
هذه الجامعة العربية، التي سعى العرب إلى إقامتها سنة 1945م والتي كانت في البداية تجمع أساسه سبع دول عربية فقط، انضوى تحت راية النفوذ الخليجي، ولم يكن هذا الانضواء وليد اللحظة فقد شهد مركز الثقل الذي تستقر فيه الجامعة، وهو القاهرة تراجع كثيرا، وبرز مركز ثقل عربي جديد لم يتحدد دوره في مركز القيادة، ومع وجود السعودية كممثل خليجي في النظام العربي لم يكن ذلك يمثل مشكلة بالنسبة للمملكة التي مثلت قلب النظام الخليجي، وإنما اتضحت المشكلة حينما برزت دولة قطر في السعي لممارسة دور خارج القيادة العربية، وخارج مركزه التاريخي (الجامعة). ففي سنوات ما قبل الثورات، خرجت ملفات عديدة من يد الجامعة، وبدت المبادرات القطرية في الشأن العربي مستقلة عن الجامعة.

مواقف غير واضحة
الجامعة العربية التي لا يوجد في تاريخها ميراث من القناعات والمبادئ الخاصة بدعم أي حركة تغيير داخلية لأيا من دولها أو حتى مجرد انتقاد الاوضاع، فقد رسخت مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، لم تستطيع ان تتبني مواقف واضحة في المراحل الأولى للثورات، خصوصا مع كل من تونس ومصر، واعتبرت الجامعة أن أحداث تونس شأن داخلي وحين انفجرت الثورة المصرية لم تقف الجامعة غير الموقف ذاته، بل كان موقفها إزاء مصر أكثر حرجًا؛ فلم يصدر عنها أي بيان أو وثيقة ترحب بالتغيير السياسي.
أما في سورية -التي طال أمرها- فقد كشفت عن مظاهر ومؤشرات قصور سياسي ومهني. وعلى سبيل المثال، فإن اللجنة التي شكلتها الجامعة لتقصي الأوضاع في سورية، والتي رأسها الفريق مصطفى الدابي -أواخر 2011 لم تكن محل رضا من قوى الثورة في سورية، ومن بعض الدول العربية التي أعلنت سحب مندوبيها منها، وذلك على أثر تقرير اللجنة الذي اعتبره الكثيرون منحازا إلى جانب النظام، ورصدوا العديد من جوانب القصور والتناقض والانحياز به، ومن ثم طالت الشكوك بمواقف الجامعة..وإلى الأن مازالت الأزمة السورية قائمة والجامعة غائبة.

قواعدة عربية جديدة 
الجامعة العربية والتي أيد ميثاقها مبدأ الوطن العربي الواحد قد تفكك هذا الجسد والواحد وتقطعت الأطراف، وعليها الان إن كانت تريد ان تبقي على قيد الحياة أن ترسي قواعد لنظام عربي جديد، وأن تستثمر في المرحلة الانتقالية في الوصول لقواعد عربية جديدة وابتكار آليات عمل عربية مختلفة، وأن تتبنى فلسفة عمل عربي جديدة تأخذ في اعتبارها التكاليف السياسية والمستقبلية للأجيال المقبلة وللمنطقة برمتها الناتجة عن حالة الفقر في بعض البلدان العربية، وتكاليف معالجة هذه الحالة، هذه الخطة يمكن أن تكون أكبر إجراء وقائي ضد الثورات والقلاقل، وهي أمور لدول مجلس التعاون الخليجي مصلحة رئيسية فيها.


 ثورة وظيفية وإدارية 
 ولقد ظلت الجامعة العربية تتحرك وفق حال الأزمات العربية، وإلى حد كبير افتقدت روح المبادرة والمبادأة، ولم يكن لديها متسع من الوقت للتفكير فيما هو أبعد من السعي إلى إطفاء الحرائق العربية الكثيرة، ولذلك فإن الجامعة تحتاج إلى ثورة وظيفية وإدارية في الداخل تنقلها من وضعية الرتابة إلى وضعية نشطة ومبادرة.
لذلك من المهم أن يتحول فكر الجامعة من التفكير في إنشاء مزيد من الأجهزة إلى العمل على مستوى المبادرات والمشروعات الصغيرة التي تستثمر في الجيل العربي الجديد، وتهدف إلى ترقية الثقافة والفكر والتعاون عبر عناصر القوة الناعمة، وذلك يمكن حدوثه عبر سلسلة مبادرات الإصلاح الاجتماعي والمدني، وإدراج أهداف الثورات العربية وإدخالها ضمن مفاهيم الجامعة، وهي التي ليس لها أثر حتى الآن.


مقتبس بتصرف من عدة مصادر

ليست هناك تعليقات