اعلان بالهيدر

بوقريص: نتجه إلى مزيد من التضييق على حقوق الإنسان


الكثير من الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يؤمنون بأن الصمت عن بعض القضايا قد يجنبهم التعرض للمخاطر».
هكذا، بدأت حوارها معنا.. إنها الكاتبة والمؤلفة المسرحية والناشطة الحقوقية هديل بوقريص، التي أكدت لـ«الطليعة»، أنه يجب على الحكومات أن تتجاوز عقليات السبعينات والثمانينات والتحجر الفكري الذي كانت تعيشه، وأن تفتح بابا للحوار، مشيرة إلى أن القمع لم ولن ينفع أحداً، ولن يؤدي سوى إلى دمار الأوطان، وما من أحد يريد جر وطنه إلى الدمار.
كما أكدت أن بعض مؤسسات المجتمع المدني احتكرت دعوات حفلات الشاي والمناسبات الاجتماعية والترفيهية، متناسية أن عليها مسؤولية كبيرة.
من خلال الحوار التالي، أردنا أن نعرف لماذا حملت بوقريص كاميرتها، وبدأت بتوثيق الكثير من الأحداث.


● كيف بدأتِ مشواركِ في حقوق الإنسان؟
- بدأت هذا المشوار الصعب، عندما كنت كاتبة مسرحية تغوص في أحلام الخشبة، لديها صداقات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفجأة وصلتها رسالة من صديقة لها في البحرين تخبرها بأنهم في ذلك اليوم يجتمعون في ميدان دوار اللؤلؤة، لأنهم الآن يعيشون ثورة اسمها ثورة اللؤلؤ، وتحديداً في 14 فبراير 2011.
● كيف تقيّمين حقوق الإنسان في العالم العربي؟
- هناك وعي وثقافة، لكن لا نعرف كيف نوظفهما لخدمة الإنسان، وهذه الأدوات الجيدة بتحريك منقوص منا يجعلنا جميعاً عُرضة لهذه الانتهاكات المتكررة المزمنة في عالمنا العربي.
ففي مقابل الصمت إزاء هذه الانتهاكات، هناك استمرار واضطهاد وابتزاز وعجز وعدم قدرة على المواجهة.
● من المسؤول عن تلك الانتهاكات التي أشرتِ إليها؟
- القليل يعمل، والكثير يتكلم، لكن يجب أن نعلم في ما نحن نتكلم وإلى ماذا نشير. هناك من يتردد في تقديم المساعدة، والبعض لا يؤمن بأن العمل والكلام معاً يمكنهما أن ينقذا حياة إنسان مظلوم أو سجين فقد الأمل خلف القضبان.
وأصبح الكثير من الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان يؤمنون بأن الصمت عن بعض القضايا قد يجنبهم التعرُّض للمخاطر، كونهم أكثر الناس تعرضاً للتهديد والاستهداف، وهذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم بكل أسى.

الربيع العربي

● هل حقوق الإنسان تسير في المسار الصحيح، بعدما يسمى بالربيع العربي؟ أم انه يسير في الاتجاه الخاطئ؟ ولماذا؟
- الربيع العربي ما هو إلا مرحلة نمر بها جميعا، شعوبا وأنظمة، إلا أن هذه المرحلة وسعت حملة الانتهاكات في حق المواطن، أينما كان، وأصبحت تحكمنا قوانين أكثر غموضا وهلامية وضياعا، كقانون مكافحة الإرهاب، أو قانون الطوارئ.. تلك القوانين التي اعتمدتها الأنظمة في قمع المسيرات السلمية والاحتجاجات في الوطن العربي، ربما يمكننا القول بأن ما كان تحت الطاولة قبل الربيع العربي أصبح بكل ثقله ودمه وجراحه على الطاولة اليوم.
● هل يمكن المقارنة بين حقوق المواطن العربي ونظيره الغربي، حتى مع الفروق النسبية بين دولة عربية وأخرى؟
- حقوق الإنسان هي حقوق طبيعية، عالمية، تكاملية، شمولية غير قابلة للتصرف، فلا يوجد ما يسمى بحقوق الإنسان العربي وحقوق الإنسان الغربي، لكن هناك احترام للالتزامات، أو عدم احترام لها، فالأنظمة العربية توقع وتصادق على اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية، لكنها في الحقيقة لا تقرأها، ولا تعرف المعنى الحقيقي لهكذا التزام، فهي تعتمد أولا وأخيرا على سياساتها العامة وسياساتها الخارجية مع الدول الأخرى، وتظن بأن موقعها الإستراتيجي أو مكانتها السياسية قد تساعدها على التغاضي عن انتهاكاتها.
● هل تعرضت لمضايقات من قِبل أحد الأجهزة الأمنية أو مُنعت من دخول دولة معينة، بسبب نشاطك الحقوقي؟
- لا أحد نشر أو كتب أو تحدث عن مظلومية أي إنسان آخر إلا وتعرَّض في أمنه الشخصي، عن طريق التهديد والابتزاز والمضايقة بلهجة مباشرة أو غير مباشرة، ودائما ما يتم تهديد المدافع عن حقوق الإنسان برزقه وأسرته، والكثير منا خسر الكثير، مقابل إيمانه ودفاعه عن القضايا العادلة.

تهمة التخابر

● هل لديكم صلات وعلاقات بمنظمات ومؤسسات حقوقية أخرى؟
- هذا السؤال قد يكون سلاحا يستخدم ضدنا، لأن هناك تهمة بالتعامل والتخابر مع جهات خارجية فقط، لأنك تعلن عن علاقتك بأي منظمة تعنى بحقوق الإنسان في الخارج، وبمجرد أن تتحدث القليل من الإنجليزية وتنطق اسم منظمة حقوقية أو منظمة مجتمع مدني غربية تتهم بالانتماء إليها، وكأنها فعلا أصبحت تهمة، هذه التهمة هي جهل حقيقي بما قامت الكويت بالتوقيع والتصديق عليه من اتفاقيات دولية، فنحن نعمل ضمن منظومة عالمية، جنبا إلى جنب لمتابعة كيفية سير هذه الاتفاقيات وملامستها لواقعنا.
● على ماذا يدل هذا الكلام؟
- يدل على جهل أو تجهيل من قِبل السلطات الأمنية التي لا تتحدث الإنجليزية بطلاقة، وتأول ما تقرأه بما يتناسب ورأيها فيك، وجهلها أيضا بما يسمى بحقوق الإنسان، تلك المظلة التي يجب أن تكون قد أستظلت هذه الأدوات الأمنية بظلها، واستندت إليها في عملها. ومن المفترض أن تكون هي أداة الدولة الأولى التي تنتهج هذا النهج في التعامل مع الآخرين، كي لا يقع ما يجعلنا في حرج دائم مع المجتمع الدولي.
وبالعودة إلى سؤالك.. نعم، بكل تأكيد أنا عضو في منظمة المدافعين عن حقوق الإنسان، وعضو في شبكة حريات للمدافعين عن حقوق الإنسان.
● ما علاقتكم بالجمعية الكويتية لحقوق الإنسان؟
- علينا أن نسأل أنفسنا، ما وظيفة جمعية حقوق الإنسان في أي بلد؟ إن استطعنا الإجابة عن هذا السؤال، يمكننا أن نعرف أين يجب أن يكون المدافع عن حقوق الإنسان، وكيف يجب أن تكون علاقته بمثل هذه الجمعيات.

جهة رقابية

● إذن، لنقول السؤال بطريقة اخرى؟ ما الهدف من جمعيات حقوق الإنسان؟
- المفترض ان هذه الجمعيات تراقب وتتابع وقوع وحدوث انتهاكات في الحق الإنساني، وتقوم بتدوينها وتوثيقها، وتعمل على الحد من وقوعها، عبر إلزام الدولة بالتصديق على اتفاقيات ومعاهدات ومواثيق دولية تحفظ لكل من يسير على أرضها حقه وكرامته.
فهي الجهة الرقابية التي يمكن اللجوء إليها في حال حدوث انتهاك لحقوق الإنسان، وهي الباب المفتوح للجميع، من دون استثناء أو تمييز في اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو أي وضع آخر.
● هل هناك آلية للحصول على عضوية بالجمعية الكويتية لحقوق الإنسان؟
- الحصول على مقعد في مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان يعني أنك إنسان تحمل شقاء أخيك الإنسان على كتفك.
والأمر مختلف مع جمعيات حقوق الإنسان، فمن المفترض أن تكون استمارة الانتساب فيها بكل اللغات التي تقطن الوطن، كما أنها من المفترض أن تنشر تقارير الانتهاكات، بتفاصيلها كما تنقلها الضحية، وأيضا من المفترض أن تخرج لمتابعة الانتهاكات، أينما كانت، ومتى ما كانت وكيفما كانت.
والسؤال هو هل هناك رعاية ومتابعة دورية للأماكن المنتهكة بها حقوق الأفراد في دور الرعاية الاجتماعية أو الطب النفسي أو مساكن العمالة أو أي بيئة قد تكون مهيئة لهضم الحق الإنساني فيها؟ هل هناك لجان متابعة من قِبل جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان في الكويت تتابع بها حقوق كل من يسير على الأرض هنا في الكويت ؟
● هل تشيرين إلى أن جمعيات حقوق الإنسان تفتقر إلى المهنية أم انها مغيبة؟
- نعم، لدينا افتقار في سياسة توزيع الأدوار، وربما لأن توزيع الأدوار يتطلب كوادر مؤهلة، ليتم توكيلها للقيام بالمهمات، ولأن تأهيل الكوادر يتطلب تدريبا، والتدريب يتطلب مدربا محترما، والمدرب بحاجة إلى متدربين، والمتدربون هم المنتسبون، وبهذا نصل إلى عقدة جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان الكبرى، وهي كيف ومتى ولماذا يُسمح للجميع بالانتساب؟
فجمعيات حقوق الإنسان تعتقد بأن فتح باب الانتساب لجلب كوادر مؤهلة يعني سياسة الباب المفتوح، ما قد يهدد وجودها كمجلس إدارة دائم، متناسين أن إدارة مثل هذه الجمعية تختلف عن إدارة جمعيات النفع العام أو مجالس إدارات الجمعيات الأخرى، لذلك علينا وعلى الجمعيات إدراك ذلك، والعمل على تغيير سياساتها المغلقة، فهي ليست منفضلة على أحد بانتمائه لها، وهي ليست ملكية خاصة.

حالة نكران

● هناك من قال إن سقف الحريات في الكويت تراجع، ما رأيك في هذا القول؟
التغني بحرية التعبير عن الرأي زمن ذهب بلا عودة، وإلا لمَ يحاكم الناس على آرائهم ونواياهم؟
- لدينا كتاب هنا للشاعر أحمد الرسلاني تم منعه، بسبب إشارته إلى أن هناك «بدون» في الكويت، ونحن مازلنا في مرحلة نكران الذات، ونرفض تسميتهم بالبدون، رغم أنهم مروا بعدة تسميات.. وآخرها عديمي الجنسية، هذه الحالات التي لم نجد لها حلاً إلى يومنا هذا، والتي يدفع ثمنها جيل رابع الآن.
● كيف لمؤسسات المجتمع المدني أن تدعم الحريات وتعزز قدرها في المجتمع؟
- على مؤسسات المجتمع المدني أن تعي أسباب تشكلها وتكوينها، وترسم لنفسها خارطة وخطة عمل، وأن تتعاون مع بقية المؤسسات، لتتمكن من تشكيل شبكة تواصل، لتكون مطلعة على قضايا الساعة، وتهيئ جدولا زمنيا للتعامل مع الطارئ منها، لكن للأسف بعض مؤسسات المجتمع المدني احتكرت دعوات حفلات الشاي والمناسبات الاجتماعية والترفيهية، متناسية أن عليها مسؤولية كبيرة، وهي محاكاة الأداء، والعمل الحكومي وتصحيح مساره، إن أخطأ أو السير معه، جنبا إلى جنب، لضمان واقع أفضل للمواطنين.
كما أنه من المفترض لها أن تكون الجهة الاستشارية للحراك الشبابي التي توفر كل ما يحتاجونه للسير على خطى صحيحة.

ملكية خاصة

● هل تعتقدين بأن بعض جمعيات النفع العام والمؤسسات الحقوقية خاضعة لتأثيرات دينية أو سياسية أو تعمل وفقا لأجندات خاصة؟
- البعض يعتقد بأن جمعيات النفع العام هي ملكية خاصة متوارثة بين تيار ما أو توجه سياسي ما، إن كان العمل هكذا بلا إيمان وبلا عقيدة حقيقية سوف لن نرى نتائج يمكن الاستفادة منها، ويمكنك أن تراقب واقعنا اليوم، ويجب أن نتساءل هل هناك إنتاج وإنجاز على صعيد هذه الجمعيات؟
● بما انك كاتبة مسرحية، هل وظفتِ تلك الموهبة لخدمة حقوق الإنسان؟ أم انها بعيدة عن نضالك الحقوقي؟
- لا يوجد كاتب يعيش حالات إنسانية لا يتأثر بها، فالكاتب أو المثقف الذي يعيش بعيداً عن واقعه وآلام شعبه يعيش في برجه العاجي نرجسيته بطريقته الخاصة. لدي عدة كتابات، وأراهن على أنها لن ترى النور، طالما نقيس حقوق الإنسان بمقاييسنا الخاصة.

معارضة سياسية

● قلتِ إنك تؤيدين بأن يظهر في الكويت صوت معارض ناضج سياسيا وطنيا.. ماذا كنتِ تقصدين من ذلك؟
- يسعدني أن أجد صوتا معارضا، لكن ماذا لو كان هذا الصوت يريد إقصاء الآخر ويحاربه؟ فلكي تكون معارضا، عليك أيضا أن تحترم حقوق الآخرين، لا أن تحارب ديكتاتورية ما وتأتي لتمارسها على غيرك، المعارضة لأجل المعارضة هي سياسة ينتهجها البعض، كما أن مبدأ الشمولية لا يتماشى مع هذه الشخصيات الأحادية الاتجاه، وهذا ما يخيفني، أنا امرأة مؤمنة بالتعددية ومؤمنة بحقوق الآخرين ممن يختلفون عني نهجا ودينا وسياسة ومذهبا، ومن يريد أن يمثلني عليه أن يكون كذلك، فالوطن ليس طائفة وليس حزبا وليس دينا.. الوطن هو كل شيء لكل شيء، ونحن الكل شيء.
● من وجهة نظرك، أين يتجه الخليج في ظل التطورات الراهنة؟
- يتجه إلى المزيد من التضييق على حقوق الإنسان، طالما شعوبها أصبحت أكثر وعيا سياسيا، ونحن مازلنا في بدايات الطريق.
● ما رأيك في الحراك الشبابي في الشارع الكويتي؟ وإلى أين سوف ينتهي؟
- أحترمه كثيرا، فالشباب أصبحوا أكثر جرأة وأكثر ثقافة وأكثر وعيا، ولكنهم بحاجة إلى المزيد من الانفتاح على ثقافات الآخرين وتقبل الآخر، ولولا هؤلاء الشباب، لما كنا سنجد وطنا في المستقبل، وأنا واثقة تماما بأن الشعوب لا تنتهي إلا إلى الخير لا الشر.

تقدم الشعوب

● كيف ترين خريطة المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة؟
- يعتمد تماما على الشعوب، هل تملك ذلك النفس الطويل الذي يضمن لها تحقيق مطالبها، أم انها ستخضع للتسويات والترضيات المؤقتة؟، فالتجربة البحرينية مثلا خير دليل على التسويات السياسية والترضية طوال تلك الأعوام الماضية، ومن ثم عادت الثورة، فالشعوب تتقدم وأحلامها تتغيَّر، وعلى الأنظمة أن تعي ذلك، وأن تتجاوز عقليات السبعينات والثمانينات والتحجر الفكري الذي كنا نعيشه، وتفتح بابا للحوار، فالقمع لم ولن ينفع أحداً، ولا يؤدي إلا إلى دمار الأوطان، وما من أحد يريد جر وطنه إلى الدمار.
● في نهاية حديثنا معك، هل لديك رسالة تريدين أن توجهيها.. ولمن؟
- للأنظمة.. استمعوا إلى شعوبكم..
وإلى الشعوب.. استمعوا إلى بعضكم.

ياسر ابو الريش

ليست هناك تعليقات