اعلان بالهيدر

قصة الانتقال من مدن الصفيح إلى أبراج الصفوة



نشأت ماريا دا جراس كاس فوستر في مورو دو آديوس إحدى مناطق البسطاء في ريو دي جانيرو-المكسيك، واعتادت على أن تجمع علب الصفيح وقطعاً أخرى من الخردوات المعدنيّة، كي تدفع ثمن كتبها المدرسية. وكمراهقة كتبت خطابات بالأصالة عن المهاجرين الأميين، وتولت وظائف أخرى غريبة كي تساعد في دعم عائلتها، بمنأى عن طريق عصابات المخدرات المحلية.

الآن هي المديرة التنفيذية ذات الـ 59 ربيعاً لشركة بتروبراس، أكبر شركة نفط في أمريكا الجنوبية مع أسهم سوق برأسمال قرابة 150 مليار دولار.
مكتب جراس كاس فوستر، أكبر من منزل عائلتها القديم، ومليء بزهور الأوركيد، ويتباهي بأفضل الإطلالات على أفق ريو دي جانيرو ذات الصورة الخلابة.
تحاكي حكايتها قصة الانتقال من الفقر إلى الغنى للويز إيناكيو لولا دي سيلفا، الرئيس البرازيلي السابق الشهير، وتتماثل إلى حد ما مع التاريخ الشخصي لـ 40 مليون برازيلي انتشلوا من الفقر في العقد الماضي.

مع ذلك فعند سؤالها عن مناقشة إنجازاتها الشخصية، لم تكن جراس كاس فوستر مرتاحة ونافذة الصبر. تقول: ''يحب الناس أن يجدوا حُجة لكل شيء في الحياة . . . أنا أرفض تلك الفكرة القائلة إن الصعوبات التي في ماضيك تحدد مستقبلك''.

إنها لا تريد أي شفقة بالتأكيد. ''لقد حظيت بطفولة سعيدة للغاية – حسناً لنقل، طفولة سعيدة''.

في حين أن والدها كان في أغلب الأحيان عاطلاً عن العمل، كانت أمها ''منضبطة للغاية''، تعمل على لم شمل العائلة، وتحرص على الإبقاء على البيت دوماً مرتباً.

جراس كاس فوستر ترفض أيضاً أي ضجة حول كونها أول امرأة ترأس شركة بتروبراس منذ إنشاء تلك الشركة الحكومية عام 1953 – إنه ليس بالعمل العادي، وعلى الأخص في صناعة النفط والغاز التي يسود فيها الرجال.

''زميلاتي من الإناث ونساء أخريات أقابلهن في الشارع أو على الشاطئ يطربهن فكرة وجود امرأة في السلطة أكثر مني على الأرجح،'' هذا ما قالته، بعد بعض التفكير.

لكن ''السلطة لا تأتي من تلقاء نفسها، إنها تأتي مع المسؤولية، والمسؤولية هي الأمر الذي أعيش به، وهو ما يثقل كاهلي، وهو ما يجعلني أستيقظ في الثانية صباحاً، وتبعدني عن أصدقائي، وتجعلني قليلة الصبر وسريعة الانفعال''.

نبرتها الرصينة يمكن تفهمها، فبصرف النظر عن اكتشاف احتياطي النفط الضخم بعيداً عن ساحل جنوب شرقي البرازيل في 2007، فإن شركة بتروبراس هي إحدى أسوأ الشركات أداءً في مجال الصناعة هذا. هبطت أسهمها لنحو 20 في المائة على مدار السنتين الماضيتين وفي آب (أغسطس) – بعد ستة أشهر من تولي فوستر منصبها – قدمت الشركة تقريراً عن أول خسارة ربع سنوية لها في 13 عاماً.

أياً كان، يشير المحللون إلى أن هناك القليل يمكن لجراساس فوستر أن تفعله لحل بعض مشاكل الشركة الكبرى، فمستويات الدين الأجنبي المتصاعدة للشركة على سبيل المثال، يمكن أن يُعزى جزئياً إلى انخفاض قيمة العملة البرازيلية أمام الدولار.

وبالنسبة للعديد من المستثمرين، فإن العبء الأكبر على منتجة النفط هذه هو الابتسامة في الإطار الرسمي المذهب المعلق على الحائط خلفها. ديلما روسيف، الرئيسة البرازيلية، جنباً إلى جنب مع حكومتها وحاملو الأسهم المتحكمون في شركة بتروبراس، جعلوا من العيش أمراً صعباً. التنظيمات المعقدة لإعادة توزيع أرباح النفط مستقبلاً، أبطأت من نشاط الاكتشافات، والتزمت في التعاقد مع الشركات الأجنبية، أنحى عليه باللائمة في زيادة نفقات الشركة.

في تلك الأثناء، فإن سياسة الحكومة الممتدة لعقود من الإبقاء على أسعار الوقود المحلية منخفضة بشكل مصطنع، أجبرت شركة بتروباس على استيراد الوقود بصورة خاسرة، لتلبية الطلب بنهم من قبل الطبقة الوسطى البرازيلية الجديدة. في حزيران (يونيو) سمحت الحكومة بزيادة معقولة في أسعار البترول والديزل – وهي الزيادة الأولى منذ عام 2006.

''سيكون من الصواب عمل تعديلات أكثر عندما يحين الوقت الصحيح،'' هذا ما تقوله جراساس فوستر وهي تختار كلماتها بعناية. مع ذلك فهي ترفض التطرق للتفاصيل. يبدو أن الكياسة هي مفتاح إدارة شركة حكومية، حيث دوماً ما يراقبك الرئيس.

ليس أمراً مفاجئاً أن جراساس فوستر ليس لديها سوى كلمات طيبة لتقولها عن أول رئيسة برازيلية، التي قابلتها للمرة الأولى منذ 14 عاماً مضت. بعد كل شيء فإن روسيف هي من قلدتها هذا المنصب – أحد المناصب المهمة العديدة في الحكومة في مؤسسات الدولة التي تقلدتها النساء، منذ أن توّلت السلطة العام المنصرم. ''الطلب على الوقود كبير للغاية، وعلى وجه الدقة لأن ما فعله كل من الرئيس لولا دي سيلفا والرئيسة ديلما للبرازيل، نتج عنه شمول أكثر،'' هذا ما قالته مستخدمةً كلمة ''رئيسة'' – كنوع من الوئام مع حزب العمال الحاكم.

مثل روسيف، فإن رئيسة شركة بتروباس التنفيذية الجديدة، اكتسبت سمعة كونها امرأة صارمة، مباشرة في كلامها، وتضع زملاءها الرجال في مكانهم المناسب. في الواقع، تقول إن هذه هي الكيفية التي صارت بها طفولتها الصعبة علانية، لأول مرة – وهو أمرٌ يبدو أنها ندمت عليه الآن.

''كنت في خضم نقاشي مع شخص ما وقالوا لي إن هناك أماكن ليست مناسبة للمرأة كي تعمل فيها''. ثم بادرت بسرد تفاصيل تنشئتها القاسية كردة فعل، قالت – ''لم يكن لدي ذرة صبر لكي أسمع هذا''.

في مقابلات سابقة، كانت تضحك على الكيفية التي دعا بها كل زملائها من أجل ألا تكون رئيستهم، بينما كانت تترقى في مناصب الشركة. وفي عرض لبرنامج الشركة الاستثماري في حزيران (يونيو)، وضعت خططاً لتقليل النفقات في أرجاء الشركة – ''وأنا لا أتحدث فقط عن حفلة عيد الميلاد لطاقم العمل''. ولم يضحك أحد.

هي شخصياً بعيدة كل البعد عن التسلط وحدة اللسان التي يفضل بعض الصفوة كبار السن في البرازيل أن يصوروها على أنها كذلك. إنها تبذل قصارى جهدها كي تكون ودودة وتتحدث قليلاً.

عندما سئلت عن النموذج البلاستيكي المصغر لفرقة البيتلز على مكتبها، إلى جانب أحد حفارات البترول، أشرق وجهها قائلةً ''أحبهم!''، موضحةً أن حماستها ترجع إلى حقيقة أن زوجها كولين، الذي يعمل هو الآخر في الصناعة، إنجليزي.

لكن ليس معنى أنه يمكن الاقتراب منها أنها يمكن أن تُخدع بسهولة – فبعملها لمدة 31 عاماً في شركة بتروبراس، اكتسبت معرفة موسوعية في كل من الشركة والصناعة.

بعد تخرجها من كلية الهندسة الكيميائية، التحقت جراساس فوستر كمتدربة، وشقت طريقها إلى أعلى وفي أنحاء أكبر شركة في البرازيل. تقول إن الخبرة جعلتها رئيسة تنفيذية أكثر ''كفاءة''، حيث إنها فهمت التعقيد الخاص بكيفية عمل الشركة. ''الجانب السلبي هو أن هناك عدم تسامح معين في شخصيتي؛ لا أريد أن أستمع إلى فكرة، لأني أعرف بالفعل أنها لن تجدي''.

معضلة ما هو داخلي وما هو خارجي هو أحد الأشياء التي يتجادل فيها المستشارون الإداريون في أنحاء العالم، والتي يصل كل منهم فيها إلى استنتاج مختلف حول مزايا ومساوئ تعيين شخص من داخل الشركة.

يمكن أن تكون جراس كاس فوستر أفضل حل وسط – وهو ما يحب أن يدعوه جوزيف باور من جامعة هارفارد ''دخيل خارجي''.

ففي حين أن جراس كاس فوستر ترعرعت في شركة بتروباس، فإن تجربة طفولتها أعطتها المنظور الخارجي – وهو ما لم تنسه.

''لقد عدت مرات عدة،'' مضيفةً أن العنف في مجتمعها ارتفع فقط على مر الأعوام. ''آخر مرة ذهبت إلى منزلي الأول، كانت منذ سنتين، لكني لم أستطع حتى الاقتراب من منزلي، لأنه كان في منطقة نزاع''.

إنه جزء من الجهود لإنقاذ العشوائيات في ريو دي جانيرو من عصابات المخدرات، وقد شنت الشرطة والجيش هجوماً عام 2010 على كومبيكسو دو آليماو، في منطقة الفافيلا التي تشمل حالياً مورو دو آديوس، وصادرت قنابل وأكياس كوكايين ونحو 36 طنا من الماريجوانا.

الاقتصادية

ليست هناك تعليقات