اعلان بالهيدر

سورية.. بين مطرقة الشتاء وسندان العقوبات


لوحات إعلانية عليها شمعة مشتعلة على جانب طرق سورية التي يسودها الصراع، تحث الناس على توفير الطاقة بينما يحل الشتاء ويرتعش نظام بشار الأسد الذي أصابته العقوبات عاجزاً عن تأمين احتياجات الوقود.

أعطت الحرب هذه الصورة العادية التي تحث على توفير الطاقة بعداً سياسياً حيث يجبر انقطاع التيار الكهربي والنقص النفطي أن تقوم الحكومة بمساومات، مثلما كشفت الاتفاقية الصامتة لاستيراد نفط من العراق الثلاثاء الماضي.

الترتيب الذي نتج عنه تسليم 14 مليون دولار من النفط المستخدم صناعياً في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، أقلقت الولايات المتحدة وألقت الضوء على الانقسامات العالمية الحادة حول كيفية التعامل مع نظام الأسد.

التسليم الذي يجيء في وقت الشتاء السوري القارص عادة طرح هو الآخر أسئلة حول أين يستخدم هذا النفط الثمين، حيث تحذر وكالات الإغاثة من خطر يواجه السكان الذين شهدوا نزوح مجتمعات بأكملها، ونقص في الأدوية الأساسية وانهيار في بعض الخدمات الأساسية.

''إنها كارثة،'' هذا ما قاله أحد الأطباء السوريين عن البرد القادم، ثم قام بفر لائحة من الأمراض الموسمية الخطرة، التي تشمل التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي. ''الناس خائفون بشدة من الشتاء الآن''.

تفاقمت أزمة الطاقة السورية بعد الشهر الذي تحولت فيه أول مظاهرة سلمية في آذار (مارس) العام الماضي إلى حرب أهلية منتشرة كالنار في الهشيم. أصاب انقطاع التيار الكهربي حتى مناطق سلمية نسبياً مثل وسط دمشق، في حين أن البترول والمازوت، ذلك الوقود المستخدم بكثرة للتدفئة في المنازل، واجه نقصاً دورياً فيه مع انحسار القتال واشتداده.

المعركة بين قوات النظام والثوار غطت الشوارع الرئيسية في أرجاء البلاد، وما زال استهداف ناقلات البترول يشل إيصال المؤن أكثر فأكثر.

وكالة إغاثة دولية لديها طاقم عمل في سورية يعمل ميدانياً قالت: ''أزمة الوقود قاسية وتجعل الأمر غاية في الصعوبة لإيصال أي مساعدات إنسانية''.

الشحنات العراقية لسورية، هي جزء من عقد إمداد على مدار عام قابل للتجديد، يتم فيها تسليم وقود يمكن استخدامه في محطات الكهرباء لكن ليس في المدرعات المستخدمة في الحملة الوحشية لفرض النظام عسكرياً من قبل النظام والتي قُدر عدد ضحاياها بـ 30 ألف شخص، طبقاً لأقوال المحللين.

الـ 60 ألف طن من الإمدادات الشهرية المتوقعة بموجب الصفقة تعادل أكثر من 5 في المائة من الطلب على الوقود خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، طبقاً لأرقام نشرت في ''ذا سيريان ريبورت''، إحدى النشرات الاقتصادية.

محتوى الكبريت العالي والصفات الأخرى المقدرة لهذا الوقود تعني أنه ''لا يمكن استخدامه في الدبابات''، جاء هذا على لسان أوليفر عبادي، خبير النفط في ''شركاء كامبريدج لأبحاث الطاقة''، شركة تحليل المعلومات. ''لكنها شحنة وقود كبيرة على توليد الكهرباء''.إن نحو 90 في المائة من طاقة سورية الكهربائية تأتي من محطات تعمل على الوقود الثقيل والغاز الطبيعي، طبقاً لمنتدى الطاقة العالمي، وهي مجموعة عالمية غير ربحية. كانت المحطات تعاني بالفعل قبل الأزمة لتتماشى مع الطلب الذي ارتفع بمقدار 75 في المائة خلال عشرة أعوام – ومن هنا جاءت الملصقات الرسمية التي تحث الناس على الحفاظ على البيئة، بما في ذلك أحد الملصقات التي تحث ببعد نظر السوريين قائلة ''تخيل العالم من دون كهرباء''.

مشكلة الطاقة السورية أصبحت أكثر حدة نتيجة لتأثير العقوبات الدولية في صناعتها النفطية وقطاعها المالي.
في حين أن الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى تقول إن استيراد الوقود المكرر ليس ممنوعا بالمعايير المفروضة، مع ذلك فالعديد من شركات الطاقة تخلوا عن تعاملاتهم مع سورية بسبب صداع الامتثال للأمر، بما يشمل التقييد على المعاملات المصرفية الدولية.

صدقي بكير، محلل في شؤون الطاقة في شركة أي إتش إس جانز، التي تعمل في أبحاث الدفاع والأمن يقول: ''بالنظر إلى العقوبات على قطاع النفط ومصرفها المركزي، تواجه سورية صعوبات شديدة في استيراد المنتجات النفطية، على الأخص بسبب الحصار المالي''.

النظام، الذي كان حتى في وقت السلم يفتقر إلى الطاقة التكريرية الكافية لتلبية احتياجات الدولة من الوقود، أصبح أكثر اعتماداً على الواردات من قبل حفنة من الدول المتعاطفة، مثل فنزويلا والآن العراق. أعلنت دمشق في آب (أغسطس) أنها كانت تسعى لإتمام صفقة مع حليفتها المخلصة روسيا، لإمدادها بوقود الديزل ومنتجات نفطية أخرى في مقابل براميل من الخام.

بينما بدأ النقص في البترول والمازوت يلسع الشتاء الماضي، ألقى النظام السوري وأعداؤه اللوم على بعضهم البعض، عندما اتهم روبرت فورد، السفير الأمريكي، النظام بالفساد ومصادرة الإمدادات لآلاته العسكرية.

من ناحيته، تساءل الأسد ساخراً إذا ما كان يعني أن تكون ثائراً أن ''تمنع (المواطنين) غاز الطهي الذي يحتاجون إليه في حياتهم اليومية، من أجل دفعهم للجوع، أو وقود التدفئة لكي تجعلهم يلقون حتفهم بسبب البرد''.

الجدل – والمناظرة الأكبر حول ما إذا كانت العقوبات على سورية تضر بالناس أم بالنظام – من المرجح أنه سيدور مرة أخرى بشكل أكبر هذا الشتاء.

في الوقت الراهن فإن الصفقة العراقية تظهر كيف أن على النظام السوري أن يتلقى إمداداته من أي مكان باستطاعته، في حين أن المعركة العسكرية الممتدة تجلب معها صراعاً لوجيستياً متنامياً – ومعاناة أشد لسكانها.

مايكل بيل - لينا سيجول


ليست هناك تعليقات