مسلسل بألف حلقة
مسلسل بألف حلقة
يشرفنا انضمام الكاتبة المتألقة والصحفية البارعة الاستاذة مفيدة همامي
وللكتابة معنا في مدونتنا المتواضعة
فنشكر استاذتنا ولها منا جزيل الشكر على موافقتها للكتابة هنا
مسلسل بألف حلقة
كتبت مفيدة همامي:
وأنا اتصفح عناوين الأخبار في صحفنا وتلفزاتنا أتذكر حرص أبي على متابعة نشرة أخبار الثامنة بانتباه شديد،
ذلك الموعد الذي يصر أن لايفوته وتكثر فيه وشوشاتنا وهمسنا الصاخب الى الحد الذي نستغرب فيه جدية أبي وانشغاله التام عنا.
رحل أبي وبقيت ذاكرتي تحمل من بين ما تحمل عنه ذلك لكنها تحمل نفس الأخبار مكررة ممجوجة في وفاء تام لا تتغير.
أخبار عالمنا العربي الذي حافظ بوفاء تام عن كل صورته بنفس التفاصيل، نفس الوجوه والمناظر والأفكار تتكرر دون ملل وكأنني أشاهد الحلقة الألف من مسلسل طويل لا ينتهي
أجبرتنا تلفزاتنا أن نشهده في كل قنواتنا وبصفة متداولة ووفية له، هذا الوفاء الأزلي المتأصل فينا لكل شيئ يحيرني حقا...
نحن لا نمل من نفس الوجوه ونفس الخطابات البالية التي تتكرر على مسامعنا ألف مرة ولا ندير وجوهنا لكلام سمعناه عن التغيير الذي ظل حلما في مخيلتنا دون أن يرقى لمرتبة التحقيق،
كل العالم ألغى الحكم الوراثي وظل ملوكنا راقدين على صدرونا في محبة متبادلة يتابعون معنا فصول المسلسل الطويل ويناقشون معنا تطور أحداثه ويقدمون لنا كل مرة لمحة موجزة عن الأحداث القادمة، حتى شذرات التغيير هنا وهناك
تستمر زمنا تصبح بفعله شيئا من المألوف الذي لا بد منه،
يذكرني وضعنا بصورة العائلة التي يلتقطها المصور بعد أن يجمع كل أفراد الأسرة فيقف الواقفون ويجلس البعض
وتتراص الأجسام في حركة ميتة لا تتبدل وتبقى الصورة طول العمر في مكانها ثابتة بنفس الوجوه والملامح لا تتغير، ويوم يريد أحد تغيير المنظر يلجمونه،
أتساؤل حقا عن معنى الوفاء الأبدي الذي رضعناه في حليب أمهاتنا وظللنا نستطعم مذاقه دهرا، ظاهرة الظاهر أنها متأصلة فينا لدرجة تجعلنا لا نطمح لتغييرها وأذا اٍدنا نحن لا يتركنا الأخرون نتم المهمة. إن الدنيا من حولنا تقفز قفزا بينما نحن لا ندب أصلا،
عناويننا نفسها انتخابات لا تأتي بالجديد وصور تتكرر
حتى لا تلاحظ التغيير في الملامح أصلا، وعلاقات روتينية بين الدول لا تقول أكثر مما تريد ويعلم الناس أكثر مما قالت،
هذا المسلسل بالف وستمائة وخمسة وتسعين حلقة لم يكتمل بعد، نفس المانشات التي تحمل خبر الموت والتفجير....
القدس التي لم يكتب لعرفات أن يصلي فيها كما شاء وكما أراد، النفط الذي حمل مع اكتشافه هموما بالجملة، القمح الذي يستورد من الخارج،
والحليب الذي ترتفع أسعاره كاسهم البورصة وكأن البقر يأكل البترول المصفى، والأمثلة كثيرة نفس الأنباء عن
طقوس دينية تتكرر بعويل دموي ونفس الهدوء الذي يخفي بشاعة الصمت المفروض في أمكنة متفرقة هنا وهناك،
هذه الرقعة العربية التي جمعت قوما تشابهوا لا ادري بفعل الزمن والتاريخ ام بفعل أشياء أخرى عجيب امرها تحفظ دروس التاريخ عن ظهر قلب
و تستميت في الحفاظ عليه حتى لا يموت وغيرنا من شعوب العالم ينسى ابناؤها اسم الرئيس
الذي سبق الحالي بمركزين،
ظاهرة المسلسلات بالف حلقة لم تعد ظاهرة بل اصلا سنغرق من دونه
وسننسى وهم يخافون علينا من شر النسيان وآفته المدمرة لذلك لا يريدون لنا تعب الإستذكار والمراجعة والحفظ فما يعرفه
اخوك الأكبر من دروس التاريخ لا يبعد كثيرا عما تتعلمه أنت وعما سيتعلمه حفيدك من بعدك الا إذا شاء الله غير ذلك،
الجميل ان وفاء العناوين لمواضيعها يكتب بأشكال تسعفنا لغتنا البليغة أن نقوله بمعاني ومفردات مختلفة
حتى لا نقع في متاهات الملل التي قد يدفعنا للفعل ويا ويلي من فعل لا يقول ألا أن الحلقة الأخيرة مازال عليها الف حلقة
التعليقات على الموضوع