اعلان بالهيدر

ياسر أبوالريش يكتب: إلى أين نريد أن نتجه؟



إن التعليم هو وسيلة، وليس هدف، بل هو وسيلة لخدمة الرؤية الاستراتيجية للدولة، ماذا نريد أن نفعل، ماذا نريد أن نصنع بدولنا.

فهذه تقارير البنك الدولي واليونسكو تشير إلى أن الدول العربية تنفق على التعليم مبالغ لا تقل -بل ربما تزيد في بعض الأحيان- عن التي تنفقها الولايات المتحدة وكندا أو دول أوروبا واليابان إلا أن الغرب ينهض بينما العرب يتراجعون، وعلى سبيل المقارنة فإن ما تنفقه الولايات المتحدة الأميركية على التعليم يصل إلى 5.5% من الناتج القومي الأميركي، في الوقت الذي تصل فيه نسبة الإنفاق على التعليم في الدول العربية إلى 5.8%.

بينما تنفق مصر على كل ألف طالب أكثر مما تنفقه الولايات المتحدة على نفس العدد، وهناك إحصائية نشرتها منذ فترة جريدة الأهرام المصرية تشير إلى أن ما ينفقه المصريون على الدروس الخصوصية يصل إلى 4 مليارات جنيه في السنة (وحسب تقرير مجلس الشورى تلتهم أكثر من 15 مليار جنيه مصريا من جيوب اؤلياء ).

وعلى الجانب الاخر قد نشرت جريدة (لوس أنجلوس تاميز) تقرير لها تقول فيه: " أن حجم المواد التي يدرسها طلاب التعليم في مصر أضعاف ما يدرسه الطالب الأميركي.. وأن ما يقضيه الطلبة المصريون في المذاكرة يفوق أضعاف ما يقضيه الطلبة الأميركيون...

لكن ما هي المخرجات لهذا الإنفاق وهذه المواد؟ فإن في مصر ¼ مليون حامل للدبلوم عاطلين عن العمل، ومخرجات وكوادر غير مؤهلة لسوق العمل ولا حاجة له بها.

فلا يهم ما هو حجم المنهج، ولكن ما هو محتوى المنهج، ما هي الفلسفة التي بني عليها التعليم هذا المنهج؟ ولذلك يجب أن تثير المناهج حب الاستطلاع والرغبة في طلب المزيد من المعرفة وهذا ما أكده الفيلسوف بارنت قائلا " لا يمكننا أن نفلح في تحسين نوعية التعليم بالنظر إليه على أنه مجموعة من المهام ضمن أسلوب من أساليب العمل فحسب ولا يمكننا استخدام مصطلح الجودة استخداما معقولا بطريقة لا تأخذ في اعتبارها القيمة فلا يمكن القيام بتحديد وتقدير وتحسين الجودة النوعية بوصفها مهمة تقنية بحته ".

ودور المنهج هنا هو أن يعكس مقومات الفلسفة الاجتماعية ويحولها إلى سلوك يمارسه التلاميذ بما يتفق مع متطلبات الحياة في المجتمع بجوانبها المختلفة، وهذا يعني وجود رؤية واضحة عند القيادة السياسية، أين نريد أن نتجه؟وما هو نوع التعليم الذي نريد أن نصل إليه ليحقق رؤيتنا؟

ففي ماليزيا في عام 1985عملوا مؤتمرات وطنية لقضية التعليم، لمعرفة استراتيجية الدولة  وإلى أين ستتجه، وقرروا أن تكون ماليزيا دولة صناعية، هذا القرار تغيرت على أساسه مناهج التربية والتعليم، كما تغيرت على أساسه البعثات الدراسية، بالاضافة الى تغير نظم الهجرة ونظم الاستثمار، فمناهج التعليم كلها تحولت لخدمة هذا الهدف وفعلاً خلال عشر سنوات..تغير الوضع، وكانت النتيجة عام 1995، ماليزيا عاشر دولة صناعية في العالم.

وهو ما يعني أن التخبط السياسي له دور أساسي في قضية انهيار مستوى التعليم، حيث أن كل وزير يأتي لا يكمل من حيث انتهى الذي قبله بل يبدأ من جديد وحسب رؤيته هو فكيف سينصلح حال التعليم بدون وجود رؤية ثابتة تسير عليها العملية التعليمية حتى مع تغير الوزراء والمسئولين.

اذن في مصر سياسية التعليم لا ترتبط باستراتيجية بل يرتبط بشخص الوزير.

وعلى سبيل المثال فالمناهج الدراسية في كوبا تخضع باستمرار للإصلاح والتعديل لمواكبة تغير الاوضاع المحلية، ويتبادل المعلمون تجاربهم فيما يخص استخدام اساليب التدريس ومواده في اطار الجمعيات التربوية التي تختص منها بمادة دراسية معينة وتحظى بدعم من احد الخبراء عن طريق البحوث التطبيقية ويتم تشاطر افضل النتائج خلال المؤتمرات المتخصصة بالتعليم التي تعقد على صعيد البلديات (المحافظات) وتتولى المعاهد مع المجتمع المحلي بتنظم اللقاءات الكبيرة وغير ذلك من الانشطة التشاركية ويتم  التدريب على العمل والانشطة الحياتية خارج المدارس وداخلها (لمدة خمس أو ست سنوات على التوالي) مما يكفل ربط المدارس بالمؤسسات المعنية بالتدريب.

فيجب ربط موضوع اصلاح التعليم بموضوعات أخرى مثل القدرة التنافسية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي وبناء الامة.

ومرة أخرى إلى أين نريد أن نتجه؟وما هو نوع التعليم الذي نريد أن نصل إليه ليحقق رؤيتنا؟

**ياسر أبوالريش
**كاتب وباحث سياسي

ليست هناك تعليقات