هل الضوء الأخضر قادم

بعد الحكم على الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالسجن المؤبد لكل منهما بتهمة بقتل المتظاهرين، تباينت ردود الفعل ما بين مؤيد ومعارض.
ففي الوقت الذي رأى فيه البعض أن مبارك لا يستحق تلك النهاية ارتضى البعض الحكم ووصفوه بالعادل، بينما اعتبر البعض الآخر أن الحكم جاء مخففاً وأن مبارك ومعاونيه كانوا يستحقون الإعدام متعجبين من قرار القاضي ببراءة كل الضباط المتهمين في القضية.
الخبير القانوني المصري المحامي حسين البرعي القى الاضواء القانونية على ملابسات الحكم قائلا إن هذه الاحكام الصادرة لم تتجه الاتجاه العادل، اي القصاص العادل لارواح شهداء ثورة 25 يناير،لأن هذا الحكم قد اعتراه العوار واصابه الكثير من العيوب وخالف صحيح القانون، وطبق مادة في القانون لم يكن هنا احتياج لها ، أي المادة 17 من قانون الاجراءات الجنائية التي تعطي الحق للمحكمة باستعمال الرأفة مع المتهمين. كما ان هذا الحكم خلط ما بين المواد الواردة في قانون الاجراءات الجنائية والمواد التي في قانون العقوبات.
مدة التقادم
اما بالنسبة للحكم القاضي باعفاء رجال الشرطة من المسؤولية الجنائية بحجة عدم كفاية الادلة ، فيرى الخبير القانوني ان هذا يعود لا الى غلطة المحكمة ، وانما الى غلطة النيابة العامة التي رفعت الدعوى الى المحكمة دون ان تستكمل الادلة اللازمة، مخالفة بذلك نص المادة 214 من قانون الاجراءات الجنائية .
وبشأن اسقاط بعض التهم عن المتهمين اعتمادا على المادة 15 من قانون الاجراءات الجنائية التي تتحدث عن اسقاط التهمة لانتهاء مدة التقادم(10 سنوات)، فقد اكد البرعي بأنه كان يتعين على المحكمة أن تدرك بأن ذلك يعود لأسباب قاهرة حيث لم يكن بالإمكان في حينها فتح دعوى ضد المتهمين في الوقت الذي كانوا هم يتبوؤن مناصب رفيعة في الدولة او قريبين من المسؤولين فيها. وكان يتعين على المحكمة ان تحسب بداية" التقادم" من تاريخ سقوط نظام مبارك وليس من تاريخ فعل الجريمة.
بلد تابع
في حين اكد الخبير والمحلل محمد سيف الدولة أن واقع نصوص قانون العقوبات المصرى كان يعطي الحق للحكم على مبارك واعوانه بأحكام اغلظ فمثلا المادة 77 التى تنص على ((يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدى الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها)).
وهى جريمة ارتكبها نظام مبارك حين اهدر استقلال مصر وسيادتها وحولها الى بلد تابع للولايات المتحدة الامريكية فمكنها من السيطرة على الاقتصاد وعلى التسليح العسكرى . وحين قبل بالوجود العسكرى الامريكى والاجنبى فى سيناء .
* * *
ثانيا ـ المادة 77 (د) فقرة اولى:
((يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة فى زمن سلم ، وبالسجن المشدد إذا ارتكبت فى زمن الحرب : كل من سعى لدى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها أو تخابر معها أو معه وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز مصر الحربى أو السياسى أو الدبلوماسى أو الإقتصادى)).
وهى الجريمة التى ارتكبها نظام مبارك حين قبل تجريد ثلثى سيناء من القوات المسلحة وفقا للمادة الرابعة من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية ، فاضر بمركز مصر العسكرى .
• وارتكبها مرة أخرى حين سلم الاقتصاد المصرى لادارة صندوق النقد والبنك الدوليين التابعان للعدو الامريكى وحلفاءه من الدول الغربية ونفذ تعليماتهم ببيع القطاع العام، وضرب الصناعة الوطنية المصرية لصالح المنتجات الاجنبية، وتعويم الجنيه المصرى وربطه بالدولار ، وتقليص الدعم للفقراء، وترك البلد لسيطرة ونهب رجال الاعمال الاجانب والمصريين بدعوى الاقتصاد الحر، والامتناع عن وضع خطة اقتصادية قومية تحقق مصالح الشعب، مما اضر ضررا بالغا بالمركز الاقتصادى لغالبية المصريين والذى من اهم مؤشراته ان 40 مليون مصرى يعيشون الآن باقل من 360 جنيه فى الشهر، مقابل 160 الف رجل اعمال يملكون 40 % من ثروة البلد .
• وارتكبها مرة ثالثة للاضرار بمركز مصر السياسى والاقليمى حين قرر أن يلحق بالسياسة الامريكية فى المنطقة، ويتنازل عن دور مصر الريادى وقيادتها للامة العربية، والذى تمثل فى اوضح صوره فى قبوله بالمادة السادسة من المعاهدة التى تضع أمن اسرائيل فوق امن وسلامة الاقطار العربية. وايضا بما قدمه من تسهيلات سياسية وعسكرية للقوات الامريكية لاحتلال العراق عام 2003، وفى دعمه لكل مشروعات الهيمنة الامريكية على المنطقة بما فيها تقسيم السودان والتحالف ضد المقاومة العربية فى لبنان والعراق وفلسطين .
* * *
ثالثا ـ مادة 77 (د) فقرة ثانية :

(( يعاقب بالسجن إذا ارتكبت الجريمة فى زمن سلم . وبالسجن المشدد إذا ارتكبت فى زمن الحرب :كل من أتلف عمدا أو أخفى أو اختلس أو زور أوراقا أو وثائق وهو يعلم أنها تتعلق بأمن الدولة أو بأية مصلحة قومية أخرى))
• وهى الجريمة التى ارتكبها النظام فى تصديره الغاز والبترول لاسرائيل ، حين أخفى عن البرلمان وعن الرأى العام المصرى حقيقة هذه المعاملات ، وهى مجرد قشة من كوم كبير لم نكتشف بعد كل خفاياه ، عن حدود وحجم العلاقات مع اسرائيل فى مجالات متعددة تشمل التنسيق الامنى و الزراعة والسياحة والثقافة وغيرها .
* * *
رابعا ـ مادة 78 :
(( كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها نقودا أو أية منفعة أخرى أو وعدا بشيء من ذلك بقصد إرتكاب عمل ضار بمصلحة قومية يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به))
• وهى الجريمة التى ارتكبها رجال اعمال نظام مبارك ولا زالوا، بضرب الصناعة الوطنية المصرية، من خلال تحصلهم على آلاف التوكيلات التجارية الاجنبية وملايين الدولارات لتسويق المنتجات الاجنبية على حساب المنتجات الوطنية .
• بالاضافة الى مئات الملايين من المعونات الأجنبية التى يأخذونها تحت عنوان دعم القطاع الخاص، لضمان استمرار سيطرتهم على مقدرات البلد. وهى معونات لا زالت مستمرة بعد الثورة .هذا بالطبع بالاضافة الى منح ومعونات ما يسمى بمنظمات المجتمع المدنى .
* * *
خامسا ـ مادة 77 (هـ) :
(( يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية فى شأن من شئون الدولة فتعمد اجراءها ضد مصاحتها ))
• وهى الجريمة التى ارتكبها النظام فى مفاوضاته مع العدو الصهيونى فى اتفاقيات كامب ديفيد 1978 و1979 وما بعدهما، والتى ادت استقالة ثلاثة وزراء خارجية حين فرط فى مصالح مصر وامنها القومى فى معظم بنود المعاهدة وعلى الاخص عند قبوله بتجريد سيناء من السلاح كما تقدم. واستمر فى ارتكاب ذات الجريمة 1979ـ 2011 بقبوله استمرار هذه الشروط المجحفة على امتداد 30 عاما رغم انه كان بامكانه ان يتحرر منها او يخفف من قيودها بعديد من الطرق الدبلوماسية والسياسية .
• وارتكب ذات الجريمة مرة اخرى حين قبل المعونة الامريكية بشروطها والتى سمح بمقتضاها باختراق اعماق مصر الاستراتيجية على كافة المستويات .
ومرة اخرى حين فرط فى الغاز المصرى بابخس الاسعار لصالح العدو الصهيونى
• و كذلك حين قبل التنسيق الامنى السرى مع الامريكان والصهاينة على اوسع مدى ضد مصالح الشعب المصرى وامنه القومى ومصالح الأمة العربية .
* * *
سادسا ـ مادة 78 (ج) :
(( يعاقب بالإعدام كل من سهل دخول العدو فى البلاد أو سلمه مدنا أو حصونا أو منشآت أو مواقع أو موانى أو مخازن أو ترسانات أو طائرات أو وسائل مواصلات أو أسلحة أو ذخائر أو مهمات حربية أو مؤنا أو أغذية أو غير ذلك مما أعد للدفاع أو مما يستعمل فى ذلك أو خدمة بأن نقل إليه أخبارا أو كان له مرشدا ))
وهى الجريمة التى ارتكبها النظام حين سمح باستبدال قوات الاحتلال الاسرائيلى فى سيناء بقوات الاحتلال امريكى وحلفاءها التى تتواجد هناك تحت مسمى قوات متعددة الجنسية، والتى تقوم بمراقبة مصر، والتى لا تخضع للأمم المتحدة ، والتى تتمركز فى مواقع لا يسمح للقوات المصرية بالتواجد فيها على ارض سيناء المصرية، والتى لا يحق للسلطات المصرية ان تطلب انسحابها الا بعد الموافقة الايجابية للدول الخمس الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن ، وهى القوات التى قال عنها وزير الأمن الداخلى الاسرائيلى فى محاضرة عام 2008 ، ان وجودها فى سيناء هو ضمانة امريكية لاسرائيل بحقها فى العودة لاعادة احتلال سيناء ان تغيرت سياسة النظام المصرى تجاه اسرائيل .
* * *
* * *
سابعا ـ مادة 79 :
(( كل من قام فى زمن حرب بنفسه أو بواسطة غيره مباشرة أو عن طريق بلد آخر بتصدير بضائع أو منتجات أو غير ذلك من المواد من مصر الى بلد معاد أو باستيراد شىء من ذلك يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة تعادل خمسة أمثال قيمة الأشياء المصدرة أو المستوردة على ألا تقل الغرامة عن ألف جنيه ويحكم بمصادرة الأشياء محل الجريمة فإن لم تضبط يحكم على الجانى بغرامة إضافية تعادل قيمة هذه الأشياء ))
مادة 79 (ا) :
(( يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل من باشر فى زمن الحرب أعمالا تجارية أخرى بالذات أو بالواسطة مع رعايا بلد معاد أو مع وكلاء هذا البلد أو مندوبيه أو ممثليه أيا كانت إقامتهم أو مع هيئة أو فرد يقيم فيها ويحكم بمصادرة الأشياء محل الجريمة فإن لم تضبط يحكم على الجانى بغرامة إضافية تعادل قيمة هذه الأشياء))
• وهى الجرائم التى قام بارتكابها ولا يزالون عدد من موظفى النظام باختلاف درجاتهم الوظيفية وكذلك العديد من رجال الاعمال ، وهو ما نطلق عليها سياسيا مصطلح التطبيع .
• فاسرائيل لم تكف لحظة عن ممارسة دورها كبلد معاد ومتربص بمصر حتى بعد معاهدة السلام ، ولقد حولوها كذبا وزيفا ، من بلد معاد الى بلد طبيعى بموجب معاهدة باطلة دستوريا ودوليا ، تمت تحت الاكراه ، وبموجب استفتاء 1979 المزور .
* * *
ثامنا ـ المواد 82 و83 و84 :
تنص هذه المواد على توقيع ذات العقوبات على كل من شارك فى هذه الجرائم او حرض عليها او ساعد فيها او اخفى احد ادواتها او اهمل وقصر فى الحيلولة دون وقوعها .
كما يعاقب بالحبس سنة كل من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا الباب ولم يسارع الى إبلاغه الى السلطات المختصة .
وهو ما ينطبق على المئات من رجال النظام الذين شاركوا فى ارتكاب هذه الجرائم بواحدة أو اكثر من الأفعال المنصوص عليها عاليه .
* * *
تاسعا ـ المادة 86 مكرراً :
((يعاقب بالسجن كل من انشأ او اسس او نظم او ادار ، على خلاف احكام القانون جميعة او هيئة او منظمة او جماعة او عصابة ، يكون الغرض منها الدعوة باية وسيلة إلى تعطيل احكام الدستور او القوانين او منع احدى مؤسسات الدولة او احدى السلطات العامة من ممارسة اعمالها ....))
• وهى الجرائم التى ارتكبها النظام ورجاله حين خرجوا عن الشرعية الدستورية بانتهاكهم لأحكام المادتين الاولى والثالثة من الدستور
• اما المادة الاولى من الدستور فتنص فى فقرتها الثانية على أن (( الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة )) والتى انتهكها النظام باعترافه الباطل بان أرض فلسطين العربية هى ارض اسرائيل وفقا للمادة الثالثة من المعاهدة مع اسرائيل
• اما المادة الثالثة من الدستور فهى التى تنص على (( ان السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ... )) والتى انتهكها النظام حين قبل انتهاك السيادة الوطنية فى سيناء وفقا للمادة الرابعة من ذات المعاهدة .
• فالنظام ورجاله خارجون عن الشرعية الدستورية والوطنية منذ عقود طويلة ، ولكنهم تمكنوا من الاستمرار فى مراكز الحكم باستخدام القوة والارهاب ضد الشعب وقواه الوطنية على امتداد أكثر 30 عاما .
* * *
الصحافة الإسرائيلية لم تكن بعيدة عما يحدث في مصر فلقد تناولت الحكم على الرئيس المصري المخلوع مبارك وقالت هآرتس: نتمنى ألا يأتي يوم على مصر تحن فيه إلى أيام رئيسها السابق والمدان الحالي، في حين قالت صحيفة معاريف أن التاريخ لن يكون قاسيا مع مبارك مثلما كانت المحكمة التي حاكمته.
وفي حين اكدت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن الحكم في مجمله جاء "مطابقا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة"، إلا إنها شككت في تبرئة ضباط وزارة الداخلية مشيرة إلى أن هذا يعتبر ضوءا أخضر لاستمرار انتهاكات الشرطة.
التعليقات على الموضوع