اعلان بالهيدر

"انهوا هذا الكساد الآن"


آليات مقترحة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي

*الكاتب بول كروجمان:
في الوقت الذي تتواصل فيه تفاعلات أزمة الديون الأوروبية،‮ ‬وتخوف الخبراء الاقتصاديين بالدول الأغني في العالم من سهولة وقوع‮ ‬اقتصاد الولايات المتحدة في براثن الأزمة المالية الأوروبية،‮ ‬وتوقعات صندوق النقد الدولي بأن تصل نسب النمو في البلدان المتقدمة في المتوسط إلى‮ ‬1.5 % خلال عامي‮ ‬2012 و‮ ‬2013، ذلك المعدل الذي وصفه صندوق النقد بأنه‮ "‬بطيء جدا لمعالجة نسب البطالة المتزايدة‮"‬،‮ ‬بالإضافة للتحذيرات المتكررة من جانب مدير صندوق النقد،‮ ‬كريستين لاجارد،‮ ‬من أزمة اقتصادية تحاكي الكساد الكبير في ثلاثينات القرن العشرين،‮ ‬صدر للعديد من الخبراء والاقتصاديين كتب يطرحون فيها أفكارهم ووصفاتهم للتعافي لإنهاء حالة الارتباك التي يعيشها الاقتصاد العالمي،‮ ‬ومعالجة التداعيات الناتجة عن أزمة الاقتصاد بالولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬والتي امتد أثرها إلى باقي دول العالم،‮ ‬منها كتاب بول كروجمان‮ - ‬الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد‮- ‬الذي صدر أخيرا تحت عنوان‮ "‬انهوا هذا الكساد الآن‮"‬،‮ ‬طارحا فيه أهم الأفكار التي يمكن تبنيها في التعامل مع‮ ‬المشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة‮.‬

حقيقة الوضع الاقتصادي‮:‬
قبل أن يتصدي بول كروجمان لأسباب الأزمة المالية المستفحلة والحلول الموضوعة لها،‮ ‬يعيد المؤلف تسمية ما يجري حاليا للاقتصاد العالمي‮. و‬يفضل كروجمان التعامل مع الوضع الاقتصادي على أنه كساد واضح،‮ ‬حتي وإن لم يصل إلى الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي،‮ ‬ممهدا الطريق بهذه التسمية التي قد يختلف معها البعض،‮ ‬لطرح فكرته‮. ‬إذ تبدو إعادة تشخيص الحالة الاقتصادية ووصفها بالكساد أمرا مقصودا من قبل الكاتب،‮ ‬الغرض منه الرجوع إلى الحل الذي سبق لـ"جون ماينارد كينيز‮" ‬طرحه،‮ ‬والمتمثل في توسيع الإنفاق الحكومي لتحفيز النمو،‮ ‬وعدم الانشغال بموضوع العجز،‮ ‬وارتفاع مستوي الدين العام‮.‬

يؤكد الكتاب أن الاقتصاد الأمريكي يخطو‮ ‬ببطء للتعافي وتحقيق ظروف أفضل،‮ ‬ويرجع ذلك لخضوع‮ "‬باراك أوباما‮" ‬لمطالب الجمهوريين بتخفيض الإنفاق،‮ ‬وخضوع بنك الاحتياط الفيدرالي لمطالب الديمقراطيين برفع أسعار الفائدة‮. ‬فبعد انفجار الفقاعة العقارية عام‮ ‬2007 وانهيار عدد من المؤسسات المالية،‮ ‬وتضرر صناديق تأمين المخاطر،‮ ‬وانطلاق الأزمة المالية في العام التالي،‮ ‬سارعت إدارة أوباما إلى ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي،‮ ‬وهي خطوة يشيد بها الكاتب،‮ ‬باعتبارها الدواء الناجع لأي أزمة اقتصادية بحجم ما حدث في عام‮ ‬2008. لكن ما أخذه المؤلف علي إدارة أوباما هو توقف التدخل الحكومي مباشرة،‮ ‬بعد تجاوز حدة الأزمة،‮ ‬وظهور مؤشرات التعافي في عام‮ ‬2009. وتصاعدت أصوات الجمهوريين،‮ ‬محذرة من تعاظم العجز المالي الذي خلفته مرحلة الإنقاذ الاقتصادي‮.‬

التداعيات الأكثر خطرا ودور الدولة‮:‬
يرى كروجمان أن الحد من العجز ليس الأولوية القصوي،‮ ‬بل إن خفض نسب البطالة المرتفعة مع ما يستدعيه ذلك من إنفاق فيدرالي لابد منه‮. ‬وهنا،‮ ‬يعرض المؤلف أطروحته الأساسية التي تري أن ملايين الأمريكيين يعانون حاليا من البطالة وتكلفتها الاجتماعية الباهظة بسبب تراجع الطلب في الاقتصاد الأمريكي،‮ ‬وعجز الشركات والقطاع الخاص عن التوظيف،‮ ‬لذا يمكن للحكومة التدخل لوضع حد لهذا النقص الواضح في الطلب بالإنفاق وإعادة الطلب إلى السوق‮.‬
وليست الحكومة الوحيدة التي يدعوها الكاتب للتحرك،‮ ‬بل هناك أيضا آلية التحكم في التضخم لدي الاحتياطي الفيدرالي،‮ ‬داعيا في هذا السياق إلى خفض سعر الفائدة،‮ ‬وعدم التخوف من شبح التضخم الذي حتي وإن ارتفع،‮ ‬فلن يهدد الاقتصاد الأمريكي‮. ‬فما يهم في هذه المرحلة الحرجة هو إعادة تحفيز النمو الاقتصادي،‮ ‬حيث يري كروجمان أن استمرار الوضع الحالي للاقتصاد الأمريكي سيؤدي للوصول إلى الانكماش،‮ ‬الذي يصعب في ظله الخروج مما سماه‮ "‬الكساد الواضح‮".‬
يعارض كروجمان مقولة إن مشكلة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية ذات أبعاد هيكلية لا علاقة لها بالنمو‮. ‬والحال أنه لو كان ذلك صحيحا،‮ ‬لارتفعت نسبة التضخم،‮ ‬والحال أنها ظلت في مستويات منخفضة‮. ‬كما أن الطلب على السندات الأمريكية لا‮ ‬يزال متواصلا،‮ ‬رغم تراجع عائداتها،‮ ‬الأمر الذي يوظفه كروجمان لتأكيد صحة ما يذهب إليه من أنه لا خوف من العجز‮.‬
آليات الخروج من المأزق‮:‬
يقترح كروجمان في سبيل الخروج من المأزق الحالي ثلاثة مسارات عملية تخفف من حدة الأزمة،‮ ‬وتعيد النمو إلى الاقتصاد الأمريكي،‮ ‬ومن ورائه العالمي،‮ ‬وهي على النحو التالي‮:‬
المسار الأول‮: ‬يعيد كروجمان طرح فكرة الإنقاذ المالي للاقتصاد في قطاعاته المختلفة،‮ ‬وذلك بتخصيص‮ ‬300 مليار دولار سنويا تنفقها الحكومة الفيدرالية لدعم الحكومات المحلية التي عانت تداعيات الأزمة المالية،‮ ‬وسرحت آلاف المدرسين والموظفين‮. ‬وفي حال إقرار هذا الاقتراح،‮ ‬يقول الكاتب‮: ‬سيتم خلق ملايين الوظائف دون التأثير في موازنة الحكومات المحلية‮.‬
المسار الثاني‮: ‬يدعو كروجمان بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض سعر الفائدة إلى الصفر،‮ ‬إذا اقتضي الأمر دون الانشغال بشبح التضخم‮. ‬ففي ظل حالة الركود التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي،‮ ‬وتراجع معدلات الاستهلاك،‮ ‬تواجه الولايات المتحدة الأمريكية خطر انخفاض الأسعار والقضاء على الطلب‮. ‬وبدلا من تحديد نسبة التضخم بـ‮ ‬2 % التي يريدها مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي،‮ ‬يقترح الكاتب رفع السقف إلى ‮ ‬4 % ، وهو أمر سيشجع،‮ ‬على الأقل من الناحية النظرية،‮ ‬علي الإنفاق والاستثمار،‮ ‬فيما ستتراجع القيمة الحقيقية للدين العام‮.‬
المسار الثالث‮: ‬يري كروجمان ضرورة مساعدة أصحاب الرهون العقارية على إعادة جدولة ديونهم،‮ ‬وفقا لسعر الفائدة المنخفض حاليا،‮ ‬مع ما يستدعيه ذلك من ضخ أموال إضافية في المؤسسات المالية،‮ ‬وسن التشريعات اللازمة لذلك‮.‬
وختاما،‮ ‬يؤكد بول كروجمان أن الاستراتيجية الاقتصادية التي تعمل سياسيا هي الأفضل،‮ ‬حتي وإن كانت تلك الاستراتيجية تحمل في طياتها سياسات‮ ‬غير تقليدية،‮ ‬فسرعان ما سيتقبلها الشعب عندما يلمس آثارها الإيجابية على أرض الواقع‮.
غير أن المشكلة الأساسية التي تواجه اقتراحات كروجمان،‮ ‬لاسيما في مجال التشريع والإنفاق،‮ ‬هي صعوبة إقناع الجمهوريين داخل الكونجرس بهذه الأفكار،‮ ‬خاصة في ظل الموسم الانتخابي المحتدم،‮ ‬ومحاولات إحراج أوباما لاختطاف الرئاسة منه،‮ ‬وأنه في حالة إذا ما أسفرت الانتخابات الرئاسية عن وصول الأيديولوجية الخطأ إلى السلطة،‮ ‬فربما يتم إجهاض التعافي الأمريكي الوليد‮.‬
تعريف الكاتب:
عالم اقتصاد وحائز على جائزة نوبل

المحتوى منقول من مجلة السياسة الدولية وهي دورية متخصصة في الشئون الدولية تصدر عن مؤسسة الأهرام

ليست هناك تعليقات