اعلان بالهيدر

الشذوذ الفكري والانحطاط السياسي


أثناء ركوبي  مع احد سائقي التاكسي قال لي عاجبك يااستاذ اللي بيحصل في مصر ده .. احنا خايفين نودي الاولاد المدارس وبعد الساعة تمانية الناس بتخاف تطلع من البيوت .. هو فين الأمن  والامن اللي كانت بتتمتع بيه مصر .. ياعم دا في ايام مبارك بالرغم من انه كان في سرقة ونهب بس كنا حاسين بالامان.
نزلت هذه الكلمات كالصاعقة على رأسي ولا اعرف كيف اجاوب .. فعلا  فقد ضاعت دولة القانون في مصر.. تاهت بين ثنايا الشذوذ الفكري والانحطاط السياسي .. وانتشرت اعمال البلطجة والارهاب الفكري والجسدي .. وتجول البلطجية والنشالون وقاطعي الطرق في الشوارع والحواري أمام اعين الجميع ولا يجرؤ أحد على محاسبتهم.
البلاك بلوك مجموعة من الشباب تنتهج العنف والتدمير لتحقيق اهداف  تعتبر انها مشروعة، وقد ظهر قبلها  حازمون  الذين يستخدمون اسلوب الحصار والارهاب الفكري لتحقيق مآرب اخرى .. وبين  كل  ما سبق انتحرت دولة القانون شنقا بعد ان حاولت ان تعبر كوبرى أكتوبر ولم تستطيع فذهبت الى محطة المترو لتجد ان هناك  من احتلها  وارعب من فيها، فذهبت مسرعة الى المحكمة الدستورية لترفع قضية فوجدت انها  محاصرة.. حينما وجدت ان المدارس تُحرق والبنى التحتية تُهدم وان هناك شللا شبه تامًا وان مفاصل الدولة  تكاد ان تصيبها خشونة ولا تستطيع الحركة فلم تجد أمامها  سوى الانتحار.
ولكن ما هي دولة القانون تلك وما مقوماتها.
دولة القانون هى الدولة الديموقراطية التي تلتزم بمبدأ سيادة القانون وتستمد شرعيتها وسلطاتها وفاعليتها من ارادة الشعب الحرة كما تلتزم كل السلطات فيها بتوفير الضمانات القانونية والقضائية والادارية لحماية حقوق الانسان وكرامته وحرياته الاساسية التي ارسى الاسلام قواعدها .
والمرتكزات الاساسية لدولة القانون هي الالتزام باحكام الدستور نصا وروحا في اعمال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في اطار اولوية الحق، والالتزام بمبدأ سيادة القانون في اطار الرقابة الكاملة للسلطة القضائية المستقلة. 
وأيضا الالتزام في ممارسة الديموقرطية بمبادئ العدالة الاجتماعية ومقتضياتها، والتأكيد على أن تكون القوانين العامة وقوانين الاحزاب والانتخابات والمطبوعات الخاصة ملتزمة باحترام حقوق المواطن الاساسية وحرياته العامة. 
وايضا اعتماد اسلوب الحوار الديموقراطي في التعبير عن الرأي بعيدا عن كل اساليب الضغط واشكال الارهاب الفكري على جميع الاصعدة الرسمية والشعبية 
وان تقوم المؤسسات الحكومية جميعا بواجبها في التعامل مع المواطنين والهيئات وتقديم الخدمات لهم، على اساس من المساواة التامة وعدم استغلال اي جماعة او حزب او تنظيم تلك المؤسسات لتحقيق اغراض سياسية او حزبية سواء اكانت تلك المؤسسات مدنية او عسكرية دون ان يشكل ذلك انتقاصا من حق المواطنين في التنظيم السياسي واعتبار ذلك كله شرطا اساسيا لنجاح النهج الديموقراطي .
مصر الأن دخلت فى نفق مظلم بسبب غوغائية العار التي تسود جنباتها، دخلت النفق حينما تم استهداف اقتصادها وتجارتها وضرب مقدراتها تحت حجج واهية ومسميات زائفة من جماعات واحزاب وحركات وسلطات، وحينما نام الحاكم ولم يجد حلا لكل ماسبق.
*ياسرأبو الريش
باحث سياسي 

ليست هناك تعليقات